أشتاق إليك يا من هجرت وآثرت غيابي، وكأن غيابك أصبح وطناً بلا حدود، كل زاوية فيه تحمل بصماتك. أشتاق إليك يا من قسوت وأتقنت عذابي، كأنني أعيش في دوامة من الأحزان التي لا تنتهي، وأنت فقط مفتاح الأمل. أشتاق إليك وأتخيلك حقيقة نُسجت من خيالي، كأنك خيال يتراقص في سماء روحي، تأبى أن تكون مجرد ذكرى. أبحث عنك في شوارع بدون عنواني، وقلبي يتجول بلا خريطة، يتلمس آثار قدميك على الأرصفة التي تركت فيها ظلالك. أبحث عنك في صحوتي وفي جنون هذياني، ففي كل لحظة من صحوتي أجدك تعود، لكن سرعان ما يتبدد ذلك الحلم. أبحث عنك هنا في قصيدة يتيمة الأحرف والمعاني، كلمات تتلاشى في الفضاء كأنها تهرب من واقعي المؤلم. أراك، أراك حبيبي كلما أغمضت أجفاني، وأتمنى لو تمنحني أجنحة لأطير إليك. أراك مزروعا في ذاكرة تقتل في نسياني، ذكرياتك مضغوطة كصورة ملونة في ألبوم يتلاشى ببطء. أشتمك عطرا مستعمرا لتفاصيل فستاني، ينسيني كل الآلام ليعيد إلي الفرح الغائب. يا جنتي التي تلونت بأثواب من ناري، أراك تتألق رغم اللحظات القاتمة التي خطيتها سوياً. يا فرحتي التي ولدت وآختنقت في ثواني، كأن الزمن لم يعد يمثل حدا لوجودنا. يا مرضا أدمنته، فكيف ينجو المدمن من الإدماني؟ ففي كل لحظة أتعافى، أكتشف أنني أعود إليك مجدداً. ذكراك حطمت كل قوانين الزمان والمكان، كأنك الضياء الذي يلقي ظلاله على كل لحظة من حياتي. ذكراك زرعت غربتي في كل الأوطان، وأعطني شعوراً بأنني غريب في كل مكان أذهب إليه. أشتاق إليك وإن واقعا لم أجدك، فهل بالروح تلقاني، أم أن الروح تتوق لأعلى أفراحها وتبحث عنك في عمق المجهول؟
83
المقالة السابقة